أكسير الحب ( قصة قصيرة )
—————————–**
وضع كوب الشاي على المنضده فتصاعد البخار يرسم اشكالا سريالية على ضوء الاباجورة .. أخذ يتأمل ظلال الاشياء على الحائط في سكون حجرته .. كل شيء في سكون الليل يرتدي رداء خياليا يختال في النفس ويزيل الغبار المتراكم في الرؤوس من ضوضاء الصباح حيث السعي وراء كل شيء مادي .. أمتطت أصابعه القلم وشرع يسابق خياله على الورق حتى يصل إلى كتابة قصيدة شعر جديدة .. حياته كلها كلمات .. عاش طوال حياته وسط الكتب حتى تخرج مجرد مدرس لغة عربية تلتهم الكلمات رأسه وسنينه وتمضغ مشاعرة حتى يلوكها القلم في لياليه الطويله مجرد قصائد شعر يستجدي بها الآذان كي تسمعه ! .. تحرك القلم على الورقة .. أحبك وعقلي ينبض بالخيال لكي يرسم ملامحك و…
فجأة .. طرق عنيف على الباب .. تفتت مشاعرة وتناثرت في اوصاله .. زفر في ضيق وهو يلقي بالقلم ناظرا في ساعته بتعجب ! .. الواحدة بعد منتص الليل .. صاح غاضبا من الطرق اللحوح .. من ؟ من ؟
جاءة صوت متلهف من خلف الباب : أنا الدكتور مدحت يا سامي
- ماذا حدث يا مدحت ؟ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل !
- هل نتحدث وانا في الخارج هكذا ؟!
ذام في ضيق وهو يتقدم تجاه الباب .. كان الغضب يجتاحه لان لحظة هبوط الكلمات من مكان خفي في نفسه لا تأتي كل يوم ولن يستطيع أن يكتب ما كان يشعر به منذ لحظه .. أندفع صديقه الدكتور مدحت والسعادة تغمر كل كيانه قائلا :
- لقد وجدتها يا سامي .. وجدتها
- وجدت ماذا ؟
- قال بسعادة بالغه وهو يرفع يده بزجاجه بها سائل وردي : هاهو .. أكسير الحب .. الخيال أصبح حقيقة وسوف يملأ الحب كل بقاع الأرض .. لا حروب .. لا قتل .. لا سرقة … لا فقر .. حب وحب فقط
قال سامي في نفسه متعجبا هل توصل صديقه بالفعل إلى أكسير الحب ؟! .. منذ سنوات وهو يقوم بتجارب عديده على العشاق حيث نظريته تُبنى على أن كل المشاعر بما فيها الحب عبارة عن مواد كيماوية يفرزها جسد الأنسان ولذلك كان يتجول كل يوم على كورنيش النيل باحثا عن عاشقين حيث كان يتفق معهما على مبلغ من المال نظير تحليل دمائهما حتى يتوصل إلى تلك المواد الكيماوية التي يفرزها الجسد في لحظة الحب كي يستخلصها في عقار ينشر عن طريقه الحب في بقاع الأرض !
بادر الدكتور صديقه عندما طال شروده : أين أنت ؟! .. طالما كذبت بحثي ووصمتني بالبلاهه هاهو أكسير الحب أصبح حقيقة ماثله أمام عينيك .. أنظر إلى الزجاجه المليئه بالحب
تشبثت أنامل سامي بالزجاجه الوردية وأجتاحته مشاعر غريبة وكأن في تلك الزجاجة عصير روميو وجولييت وقيس وليلى .. هاهو الحب بين أنامله سجين زجاجه ! .. تعالت ضحكاته رغما عنه حتى جال في خاطر صديقه أنه مجنون وذلك ما قاله بالفعل .. فما كان منه إلا أن وضع الزجاجه على المنضده وهو يقول : أنك بذلك السائل سوف تلغي الشعر وتحول المشاعر إلى مجرد جرعه .. الحب ليس كيمياء أنه أجمل ما يملكه الأنسان ولا تملكه بقية الكائنات الحية .. إن أغلى وأثمن ما في الدنيا هي الأشياء المجانية .. الضمير .. الحنان .. الرحمة .. الحب .. تلك الزجاجة سوف تجعل كل شيء مزيف و…
أنتفض الدكتور من مكانه قائلا : كنت أعلم أنك أنسان تعيش في الخيال وسوف تقلل من أختراعي الذي امضيت فيه سنوات مضنيه بين اليأس والرجاء .. أن مشكلة العالم الحب ولذلك تنشأ الحروب وتسود المجاعات
قال سامي مقاطعا : تقصد الطمع وحب الذات .. الحب لا يمكن أن يكون سلعة تباع وتُشترى .. خذ زجاجتك وألقها من النافذة دع البشر يشعرون ولا تجبرهم على الشعور
- ( مقاطعا ) لكي تعرف قيمة أختراعي هذا سوف نقوم بتجربته على أشرس أمرأة في الشارع
- أم نمرود
- بالضبط ( وهو يأخذ الزجاجة ) موعدنا في العاشرة صباحا .. إلى اللقاء يا .. .. شاعر
صوت صفق الباب أهتز له كيانه .. تمدد على السرير مفكرا .. هل بالفعل تلك الزجاجة سوف تغير من سلوك أم نمرود ؟ .. أنها أمرأة تبيع مخلفات الذبائح لا يخرج من فمها سوى السباب ويدها دائما وسيلتها المفضله للتفاهم
وكل يوم لابد أن تتشاجر مع أحد ما .. كيف سوف تصبح فجأة جولييت ؟ .. ضحك من هذا الخاطر وهو يغلق الأباجورة ويغط في النوم
في العاشرة صباحا أوقظه طرق الباب .. ووجد أمامه كما توقع الدكتور وعلى شفتيه أبتسامه ساخره وبادره قائلا : صباح التحدي .. أسرع في أرتداء ملابسك ألا تسمع صوت الشجار الدائر
أشرع أذنيه بالفعل كان صوت أم نمرود وهي تتشاجر مع أمرأة أخرى ويتعالى الصياح والسباب
.. قال للدكتور وهو يرتدي ملابسه : وكيف سوف تجعلها تأخذ جرعة الحب ؟
- سوف أنثره على وجهها دون يلاحظني أحد وعندئذ سوف تحب كل شيء حولها
- أم نمرود !
ضحك الدكتور قائلا بثقة : سوف ترى
خرج الصديقان إلى الشارع وعيناهما تتابعان بتركيز الشجار الدائر على بعد خطوات منهما حيث كانت أم نمرود تجذب شعر أحدى النساء وتكيل لها بينما توجد حلقة من المشاهدين حولهما تخشى التدخل !
تقدم الدكتور بثقة مخترقا الدائرة وسط دهشة الجميع بينما لاحظ الشاعر رذاذ الحب وهو يتناثر على وجهها بطريقه خفيه مما جعل أم نمرود تترك المرأة فجأة وهذا جعل الناس يعتقدون أنها قد نالت صفعة ما جعلتها تشعر بالدوار .. تجمد الموقف لحظه كانت كافيه لكي تقف المرأه الأخرى مترنحه .. وفغر الجميع أفواههم من الدهشة عندما قالت أم نمرود بنبرة صوت غريبة عن شفتيها : سامحيني يا أختي .. خذي مكاني في السوق ولا تغضبي مني .. أنا أحبك وأحب كل الناس .. أرجوك سامحيني .. وتعالى صوتها بالبكاء وهي تحتضنها
رمق الدكتور صديقه بنظره ساخرة بينما الجمع لا يصدق أذنيه وكأنه في حلم غريب حتى المرأة بائعة الجرجير التي أمتلأ وجهها بخربشات أم نمرود بكت في احضان أم نمرود من التأثر .. أنفض الجمع وهو غير مصدق وبالطبع لا أحد يعلم سر تحول شخصية أم نمرود الفجائي سوى أثنين .. بادر الدكتور صديقه والسعاده تملأ صوته : أرأيت .. سوف أبيع أكسير الحب بالملايين .. هاها
- ولكن .. متى سوف ينتهي مفعول الأكسير ؟
- (مرتبكا ) هذا لا يهم .. أعترف بأني على صواب أيها .. ( ساخرا ) الشاعر إلى اللقاء أيها الخيالي
مرت الأيام والشاعر لا يستطيع كتابة حرف واحد .. لقد أفقده أكسير الحب مشاعره .. ما فائده المشاعر التي تباع وتشترى ؟ .. كان يندهش من نجاح أختراع صديقه وتتوارد الأخبار في الجرائد عن المبيعات الضخمة لأكسير الحب كما تتوارد أخبار حوادث غريبة في المجتمع نتيجة هذا الأكسير .. إلى أن قرأ في أحدى الصحف نبأ اختفاء صديقة الدكتور في ظروف غامضة وفي نفس الصفحة نبأ أستسلام جيش بالكامل بعد رش الطائرات للهواء بإكسير الحب .. عندئذ وجد الشاعر الكلمات تنسكب من نفسه لأنه أصبح على يقين أن أكسير الحب هو روح الأنسان التي لن يعرف ما هي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق